مقدِّمة بين يدي دعاوى المعاصرين لتجديد علم الحديث
لم تُعن أمَّة من الأمم بميراث نبيِّها وتعاليمه عنايةَ الأمَّة الإسلاميَّة بميراث رسولها محمَّد ﷺ، لم يدع علمائها قولًا ولا فعلًا ولا إقرارًا ولا صفةً ولا حركةً صدرت عنه في يقظةٍ أو منامٍ، في حال إقامة أو ظعن، في حال أمن أو خوف، إلَّا حفظته عنه، ونشأ عن هذه الحركة النَّقليَّة علمٌ لم يُعرف مثيله ولا قريب منه عند سائر الأمم، أعني «علم الحديث»، وهو القواعد الَّتي يُتوصَّل بها إلى معرفة حال الرَّاوي والمروي من حيث القبول والرَّد(1).
لقد ظهرت شذراتٌ من مصطلحاتِ هذا الفنِّ وتقعيداته في مصنَّفاتٍ له مبكِّرة، من مثل رسالةِ الشَّافعيِّ، وسؤالاتِ أحمد، ومقدَّمة مسلم لـ «صحيحه»، و«رسالة أبي داود السِّجستاني إلى أهل مكَّة»، و«جامع» التِّرمذيِّ وعِلله وغيرها، ليشهد القرن الرَّابع الهجريُّ ميلادَ المؤلَّفات الأولى الممحَّضة لهذا العلم، كـ«المحدِّث الفاصل» للرَّامهرمزي (ت360هـ)، و«معرفة علوم الحديث» للحاكم (ت405هـ).
لتكون كالقَطر الَّذي يسبق انهمارَ الغيث النَّافع، ولتتوالى التَّآليف في علوم الحديث عبر القرون، حيث تجلَّت مواهب عباقرة الأمَّة في فنونِ النَّقد والتَّوضيح لمقالات المتقدِّمين، والاستدراكِ على ما فات بيانُه وكشفِ حقيقتِه، والاستخراجِ عليهم، في مسيرةٍ تطويريَّةٍ دؤوبةٍ من حيث التَّمثيل والتَّرتيب البديع.
حتَّى أذعن للمحدِّثين في تحرير قواعدهم في التَّوثيقِ علماءُ أكثر الفنونِ النقليَّة من تاريخٍ واجتماعٍ ولغةٍ وأدبٍ، حتَّى أصبح علم الحديث «منطقَ المنقولِ، وميزان تصحيح الأخبار»(2)، والمسلمون ـ بعبارة المستشرق مرجليوث ـ محقُّون بالافتخار بعلمِ حديثِهم(3).
بيد أنَّ المسلمين قد مُنوا بمن تجرَّأ من المعاصرين على مناهج المحدِّثين في نقد الأحاديث النَّبوية، وعلى أُمَّاتِ كتب الحديث الَّتي تُلقِّيت بالقبول، فأشاعوا أنَّ صناعة المحدِّثين في علمِهم اعتراها النَّقص والخلل، وأنَّها اعتمدت على نقد سند الحديث دون متنه، وأنَّه مُشبعٌ بألوانٍ من القصور والشَّكليَّة، وأنَّ الحكم على الرُّواة إنما كان بدافعٍ إيديولوجيّ، فكان أن تبرَّعوا بأوقاتِهم لتسويد أوراقٍ فيما توهَّموه خللًا في قواعد هذا الفنِّ بغيةَ تجديده زعموا.
وقبل الولوج في دائرة النَّقد لهذه الدَّعواتِ إلى تجديد علم الحديثِ، لابدَّ من تحديد بعض المصطلحات وتنقيح معانيها مما قد يداخلها من دَخن، فإنَّ الحكم على الشَّيء فرع عن تصوُّره، وأكثر ما يضرُّ بالأمَّة اختلاطُ المفاهيم، واضطراب الدَّلالات، فهو أمرٌ واجب العناية إزاء حبسِ العَلمانيِّين عقولهم على مخرجات الفكر الغربيِّ وترويجهم لها بزخرف القولِ.
فلم يعُد للفكر الإسلاميِّ إلَّا أن يفيض مضادَّاته الحيويَّة حتَّى تصحَّ الإنسانيَّة معافاةً من تسلُّط الأوغادِ عليهم بسِياطِ المصطلحاتِ المُوظَّفة ترغيبًا أو ترهيبًا، كما الشَّأن مع مصطلحات الإرهاب والحريَّات والحداثة، ونحوِها من الألفاظِ الملتبسة.
أمَّا المصطلحات الإسلاميَّة فقد اكتسبت دلالةً خاصَّة لا يجوز تحويرها عمَّا دلَّت عليه، وإن كان لا يمنع من أن تندرج فيها الجزئيَّات النَّابعة من حقائقها الكليَّة(4).
فمِن تلك المصطلحات الشَّرعية الَّتي أُسيء استخدامها في زمننا هذا «مصطلح التَّجديد»، مع مجيئه في طائفةٍ من الأحاديث النَّبويَّة، وذلك أنَّ أداة التَّجديد كانت مرهونةً ببعثة الأنبياء ـ عليهم السَّلام ـ بما يناسب أزمانهم، فلمَّا جاءت الرِّسالة الخاتمة صار التَّجديد منوطًا بعد وفاة صاحب الرِّسالة بورثتِه مِن حملة الشَّريعة، صيانةً للشَّريعة من أيِّ تحريف، وإحياءً لما اندرسَ من مَعالمها وانطمسَ من شموس هُداها في بعض الأصقاع.
مفهوم التَّجديد في اللِّسان:
فكلمة (التَّجديد) مأخوذة من تجدَّد الشَّيء تجدُّدا: إذا صار جديدًا، فتقول جدَّد الثَّوب: أي صيَّره جديدًا، أو لبسه جديدًا، فتجدَّد(5).
والجديد: نقيض البِلى والخَلِق، يتَّضح بهذا أنَّ التَّجديد هو إعادة الخَلِق البالي بعد أن عفا ودَرس على ما كان عليه أوَّل الأمر.
فكلُّ بالٍ كان في أوَّل أمره جديدًا، فتقادم عليه العهد وأصابه البِلى، فجُدِّد بإعادته إلى حداثة نشأتِه، وهذا المعنى بارز في مثل قولهم: جدَّد الوضوء، وجدَّد العهد، فتجديد الوضوء إعادتُه، وتجديد العهد إحياؤُه وتأكيده له(6).
وهذا نستخلص منه بأنَّ التَّجديد: وجود شيءٍ كان على حالٍ طرأ عليه ما غيَّره وأبلاه، فإذا أعيد إلى مثل حاله الأولى كان ذلك تجديدًا له(7).
مفهوم التَّجديد على لسان الشرع:
لم ترِد كلمة التَّجديد بلفظها في القرآن الكريم، وإنَّما وردت في السُّنة في أحاديث منها حدَّدت ملامحَه وأبعادَه، مستوعبةً جُملًا من المعاني الَّتي تجتمع في مُراد (الإحياء) و(الإعادة)، بحسب السِّياق الَّذي وردت فيه.
وأوفى هذه الأحاديث دلالةً على المقصود حديث أبي هريرة t عن النَّبي ﷺ قال: «إنَّ الله يبعث لهذه الأمَّة على رأس كلِّ مائة سنةٍ من يجدِّد لها دينها»(8).
هذا الحديث الجليل تلقَّاه العلماء بالقبول، وأوسعوا القول في شرحه، والمراد بالتَّجديد فيه إحياء ما اندرس من معالمِ الدِّين، وتنقية ما علق به من أوضارِ الجاهليَّة والبِدع، وإظهار ما انطمس فيه من أحكام السُّنة، وخفي من العلومِ القلبيَّة والعمليَّة(9).
وهذه المعاني في جملتِها يشملها قول النَّبي ﷺ: «يحمل هذا العلمَ من كلِّ خَلف عدولُه، ينفون عنه تحريفَ الغالين، وانتحالَ المبطلين، وتأويل الجاهلين»(10).
هذا؛ مع التَّنبيه إلى أنَّ الَّذي يقع عليه التَّجديد هو علاقة الأمَّة بالدِّين عقيدةً وفكرًا وعملًا وليس الدِّين نفسه، فإنَّ الدِّين تنزُّلٌ إلهيٌّ ثابت لا يتغيَّر من حيث أصوله وتشريعاته، فإنَّ في الحديث السَّالف نفسِه «من يجدِّد لها دينها»، مُضافًا الدِّين إلى الأمَّة، ولم يُقَل: يجدِّد لها الدِّين(11)!
وقد جاء (التَّجديد) في السُّنة بمعنى إحياء الإيمان في القلوب، تراه في مثل قوله ﷺ: «إنَّ الإيمان ليخلق في جوف أحدكم كما يخلق الثَّوب، فاسألوا الله أن يجدِّد الإيمان في قلوبكم»(12).
فالإيمان يصيبه البِلى ويعتوره الضَّعف بطوارق الغفلات وحُجب الشَّهوات والشُّبهات، فكان لا بدَّ من بعثه حيًّا ليعود إلى نضارته، وهذا متوافق مع المعنى اللُّغوي الَّذي سبق تقريره.
كما يأتي التَّجديد في السُّنة بمعنى (الإعادة)، يعيدُ الرَّب سبحانه الأيَّام واللَّيالي ويكررها بعد ذهابها وانقضائها، كما في قول الَّنبي ﷺ: «لا تسبُّوا الدَّهر، فإنَّ الله U قال: أنا الدَّهر، الأيَّام واللَّيالي لي، أجدِّدها وأُبليها، وآتي بملوكٍ بعد ملوك»(13).
كما يأتي التَّجديد بمعنى (تأكيد العَهدِ وتقويتِه)، تلمح هذا في مثل حديث ابن عبَّاس t مرفوعًا: «لا حِلف في الإسلام(14)، وما كان في الجاهليَّة لم يزده الإسلام إلَّا شدَّة وجِدَّة»(15).
فهذه بعض المواضع الَّتي وردت فيها لفظ التَّجديد، وواضح تضافر مشتقاته مع مدلولها في اللُّغة، ومن مجموعِ هذه التَّعريفات يمكننا صياغة معنى جامع لمدلول التَّجديد الشَّرعيِّ نقول فيه: إنَّه إحياء للدِّين وبعثٌ لما اندرس منه، وتخليص له من المُحدثات، وحُسنُ تنزيله على الواقعِ لازمٌ لذلك كلِّه (16).
مواصفات القائم بعمليَّة التَّجديد:
ولمَّا كانت مهمَّة تجديد الدِّين في جوانب الحقِّ العلميَّة والعمليَّة واسعة الأرجاء متشعِّبة المسالك، كان لابدَّ من توفُّر صفات رفيعة تؤهِّل لهذا الواجب لاستكماله على الوجه المأمول، منها:
أن تكون قدمُ السَّاعي في التَّجديد راسخةً في ما تقصَّده من إصلاح، على القول الرَّاجح في أنَّ التَّجديد يتجزَّؤ كتجزُّئ الاجتهاد، وذلك بأن يكون نافذ البصيرة، دقيق النَّظر، واسع الفهم، قادرًا على تمييز الصَّحيح من السَّقيم من أقوالِ الباب، مع قدرته على الاجتهاد لمجابهة ما يجد من عُضل الأقضية وينشأ من حوادث الزَّمان، «بأن تكون له مَلَكة ردِّ المتشابهات إلى المحكمات»(17)، «فلا يكون إلَّا عالماً بالعلوم الدينيَّة الظَّاهرة والباطنة»(18).
ومن صفات المُجدِّد اللَّازمة من جهة التَّأثير: تبليغه للحقِّ حتَّى يفشو ويعمَّ، على ما أشار إليه السُّيوطي (ت911هـ) في منظومتِه عن المجدِّدين بقوله: «وأن يعمَّ علمه أهلَ الزَّمان»، فيندرج فيه إحياءه للسُّنن ونصرة أهلها، وكشف زيف البدعة أهلها(19).
وأن يكون مبعوثًا على رأس المائة سنةٍ، مع اختلاف الشُّراح في تحديد المراد من هذا التَّوقيت في الحديث.
و(مَن) في قوله ﷺ: «من يجدِّد لها دينها» تصدقُ على الفردِ والجماعة.
يقول ابن الأثير (ت606هـ):
«لا يلزم أن يكون المبعوث على رأس المائة رجلاً واحداً، وإنمَّا قد يكون واحداً، وقد يكون أكثر منه، فإنَّ لفظة «مَنْ» تقع على الواحد والجمع، وكذلك لا يلزم منه أن يكون أراد بالمبعوث: الفقهاء خاصَّة، كما ذهب إليه بعض العلماء، فإن انتفاع الأمَّة بالفقهاء ـ وإن كان نفعاً عامَّاً في أمور الدِّين ـ فإنَّ انتفاعهم بغيرهم أيضاً كثير، مثل أولي الأمر، وأصحاب الحديث، والقُرَّاء، والوعَّاظ، وأصحاب الطَّبقات من الزُّهاد، فإنَّ كل قوم ينفعون بفنٍّ لا ينفع به الآخر.
إذ الأصل في حِفْظِ الدِّين حفظُ قانون السِّياسة، وبثُّ العدل والتَّناصف الذي به تحقن الدماء، ويتمكَّن من إقامة قوانين الشَّرع، وهذا وظيفة أُولي الأمر، وكذلك أصحاب الحديث: ينفعون بضبط الأحاديث التي هي أدلَّة الشَّرع، والقُرَّاء ينفعون بحفظ القراءات وضبط الرِّوايات، والزُّهاد ينفعون بالمواعظ والحثِّ على لزوم التَّقوى والزُّهد في الدُّنيا، فكلُّ واحدٍ ينفع بغير ما ينفع به الآخر»(20).
وبهذا يتبيَّن أنَّ القول بتعدُّد المجدِّدين أوفق لتشعُّب جوانب التَّجديد وتعدُّد مرافقه الَّتي تتطلَّب صفاتٍ عديدةً يتعذَّر التماسها في مجدِّد واحد إلَّا نادرًا، وأنَّ اجتماع الصِّفات المحتاج إلى تجديدِها لا ينحصر في نوعٍ من أنواع الخير، ولا يلزم أن جميع خصال الخير كلِّها في شخص واحد.
وإلى هذا أومأ النَّووي (ت676هـ) في تفسيره لحديث الطَّائفة المنصورة بقوله:
«يحتمل أن هذه الطائفة مفرقة بين أنواع المؤمنين، منهم شجعان مقاتلون، ومنهم فقهاء، ومنهم محدثون، ومنهم زهاد، وآمرون بالمعروف وناهون عن المنكر، ومنهم أهل أنواع أخرى من الخير، ولا يلزم أن يكونوا مجتمعين، بل قد يكونون متفرِّقين في أقطار الأرض»(21).
مفهوم التَّجديد عند مُدَّعي التَّجديد المعاصرين:
غير أنَّه قد نشأت في هذه الأعصُر المتأخرة مفاهيم تستعير لنفسها اسمَ (التَّجديد) من حيث تُظهر أنَّها موكلةٌ بإبراز محاسن الإسلام، وهي في الحقيقة مقوِّضة لدعائمه! شائعة في بيئاتٍ متعدِّدة تولَّدت من أفكار المستشرقين.
ومن خلال الاطِّلاع على أفكار دعاة التَّجديد من أصحاب النَّزعة العقلانيَّة، نجدهم ينحون بالتَّجديد إلى معنى كونِه تطويرًا للدِّين وتعديلًا له بالزِّيادة عليه والحذف، وتهذيبًا لأحكامه لتتَّسق والمفاهيمَ الغربيَّة السَّائدةَ في هذا العصر، وكان التَّجديد بهذا المفهوم «حركةَ تجديدٍ واسعةً نشطت في داخل الأديان الكبرى، داخل اليهوديَّة وداخل النَّصرانية..
إنَّ الحركة للتَّجديد عُرفت في الفكر الدِّيني الغربيِّ باسم (العصرانيَّة) modernism، وهي هنا لا تعني مجرَّد الانتماء إلى هذا العصر، ولكنَّها مصطلح خاصٌّ تعني وجهةَ نظرٍ في الدِّين مبنيَّة على الاعتقاد بأنَّ التَّقدُّم العلميَّ والثَّقافة المعاصرة يستلزمان إعادةَ تأويل التَّعاليم الدِّينيَّة التَّقليديَّة على ضوء المفاهيم الفلسفيَّة والعلميَّة السَّائدة»(22).
لقد ظلَّ هذا التَّصوُّر ينمو في غيبة الرؤيَّة الإسلامية المتَّزنة بأصول الوَحي وعمل الأسلاف، حتَّى انبثقت منه مدارس – وإن اختلف فيما بينها في بعض الجزئيَّات – تجتمع في تمعْقُلها على النُّصوص الشَّرعيَّة وتراثِ الفقهاء بما يتوافق والحضارةَ الغالبة.
وقبل عرضي لفكر أصحاب هذا الاتِّجاه المعاصر، أُلْفِتُ انتباه القارئ إلى أنَّ أفراد هذا الاتِّجاه والمتأثِّرين به ليسوا على درجةٍ واحدةٍ مِن الزَّللِ الفكريِّ، فإنَّ هناك منهم مَن لا يخطئ حِسُّك المنصف أنَّه يصدر عن صدق نيَّةٍ، ورغبةٍ جادَّةٍ في البحث عن الحقيقة، يستشعر أنَّ الإحياء الإسلاميَّ الكبير لا يتمُّ إلَّا عن عقيدة متجذِّرة في ثنايا الأمَّة، غير أنَّه قد ترسَّخ في مدركاته العقليَّة وعميق شعوره تصوُّراتٌ وأفكار تغريبيَّة ارتبط بها منذ حداثة عهده، ألقت بظلالها على توجُّهاته الفكريَّة ولو لِمامًا، ما أدَّاه إلى اضطراب في تصوُّر المنهج الإسلامي البديل لإصلاحِ الأمَّة(23).
في مقابل هؤلاءِ نجد من هو مغرق في عقلانيَّته تحكُم فكرَه اتِّجاهاتُ الفكر الوضعيِّ، ويستهويه نَفَسُ المدارس الاعتزاليَّة القديمة، كحال معظمِ الحداثيِّين العَرب([24]) ومَن لفَّ لفَّهُم من بعض أرباب التَّنظير السِّياسي، كـ(أحمد كمال أبو المجد) و(حسن التُّرابي) وغيرهما مِمَّن جعلوا لعقولهم النَّصيب الأوفر في القبول والرَّد من أحكام الشَّريعة، ولو على حساب فهم الصَّدر الأوَّل للأمَّة، وهذا مجافٍ -لا شكَّ- لمقصد التَّجديد.
إنَّ الشَّأن مع علومنا الإسلامية: أنَّا لا يمكن أن نجدِّدها بآلةٍ من غير جنس الآلات الَّتي صنعها أربابُ تلك العلوم، إلَّا إذا كنا لا نريد تجديد علومنا ولكن تبديلها! كشأن أيِّ رسَّامٍ يبتغي تجديدَ لوحَةٍ له قديمة، سوف يستخدم ألوانَه وريشتَه نفسَها، فإذا ما غيَّرَ الرِّيشة والألوان فمعناه أنه يريد تبديلَ اللَّوحة لا تجديدها!
نعم؛ هو حرٌّ في اتِّخاذ أيٍّ من القرارين، لكن مِن غير أن يُسمِّي تبديلَه هذا تجديدًا.
(1) «النكت على مقدمة ابن الصلاح» لابن حجر (1/225).
(2) على حدِّ تعبير الشَّيخ محمَّد عبد الرَّازق حمزة، وكلا القولين السابقين في مقدمة «الباعث الحثيث» لأحمد شاكر (1/73).
(3) مقولة المستشرق مرجليوث، انظر كتابه: lectures on arabic historians” p. 20.
(4) كالقوة مثلا، فسرها النبي ﷺ بالرمي، هذا جوهر المعنى، أما صورته فتشمل كل ما جد إنشاؤه واستحدث صناعته مما يكون مندرجا في هذا الأصل.
(5) انظر «لسان العرب» (3/111).
(6) انظر «تاج العروس» (7/486).
(7) «مفهوم تجديد الدين» لسعيد بسطامي (ص/15).
(8) أخرجه أبو داود في «سننه» (ك: الملاحم، باب: ما يذكر في رأس المائة، رقم: 4291)، والحاكم في «المستدرك» (4/567، رقم: 8592)، والطبراني في «المعجم الأوسط» (6/323، رقم: 6527)، قال السخاوي في «المقاصد الحسنة» (ص/203): «إسناده صحيح ورجاله كلهم ثقات».
(9) انظر «فيض القدير» للمناوي (1/10)(2/282)، و«عون المعبود» لشمس الدِّين آبادي (11/391).
(10) أخرجه الآجري في «الشريعة» (1/268)، وابن وضاح في «البدع والنهي عنها» (ص/25)، والبزار في «مسنده» (16/247، رقم: 9423 )، والبيهقي في «السنن الكبرى» (10/353، رقم: 20911)، وصحَّحه الإمام أحمد كما في «تاريخ دمشق» لابن عساكر (7/39).
(11) «من أجل صحوة إسلامية راشدة» لـ د.يوسف القرضاوي (ص/26ـ27).
(12) أخرجه الحاكم في «المستدرك» (1/45، رقم: 5)، والطبراني في «المعجم الكبير» (14/69، رقم: 84)، وصحَّحه الألباني في «السلسلة الصحيحة» (برقم: 1585).
(13) أخرجه أحمد في «المسند» (16/272، رقم: 10438)، وصحَّحه ابن حجر في «فتح الباري» (10/581).
(14) يقول ابن القيم: «الظاهر أن المراد بالحديث أن الله تعالى قد ألف بين المسلمين بالإسلام، وجعلهم به إخوة متناصرين متعاضدين يدا واحدة بمنزلة الجسد الواحد، فقد أغناهم بالإسلام عن الحلف، بل الذي توجبه أخوة الإسلام لبعضهم على بعض أعظم مما يقتضيه الحلف، فالحلف إن اقتضى شيئا يخالف الإسلام فهو باطل وإن اقتضى ما يقتضيه الإسلام فلا تأثير له فلا فائدة فيه، وإذا كان قد وقع في الجاهلية ثم جاء الإسلام بمقتضاه لم يزده إلا شدة وتأكيدا» ا. هـ انظر حاشية ابن القيم على سنن أبي داود (8/100ـ101).
(15) أخرجه بهذا اللفظ مسلم في «صحيحه» (رقم:2530).
(16) انظر «التجديد في الفكر الإسلامي» لعدنان أمامة (ص/19).
(18) «فيض القدير» (1/10)، و«عون المعبود» (11/386).
(19) منظومة السُّيوطي في «عون المعبود » (11/393)، و«فيض القدير» (1/282).
(20) «جامع الأصول» لابن الأثير (11/20ـ21).
(21) «شرح النووي على مسلم» (13/ 67)، وانظر «فتح الباري» لابن حجر (13/ 295).
(22) «قاموس إنجليزي عربي» لمنير البعلبكي (ص/586).
(23) انظر «ثقافة الضرار» لجمال السلطان (ص/60ـ61).
(24) الحداثة العربية: تيار فكري يسعى صياغة نموذج للفكر والحياة يتجاوز الموروث ويتحرر من ثوابته، ليحقق تقدم الإنسان ورقيه بعقله، ومناهجه العصرية الغربية لتطويع الكون لإرادته واستخراج مقدراته لخدمته، انظر «الحداثة وموقفها من السُّنة» لحارث فخري (ص/34).