يجنح كثير من الكُتَّاب المُعاصرين لتسويغ طعونهم في أخبار«الجامع ال َّصحيح» للبخاري، إلى ادِّعاء تبعيتهم في ذلك لعلماء متخصصين من المَاضين أو المُتأَخِّرين نقدوا أحاديث هذا الكتاب، ولم يجدوا مانِعا من ذلك إذا وُجِد ما يقتضيه، فنراهم لذلك لا يتحرَّجون ِمن إنكار مُتَّفقٍ على صحّتِه فيه بدعاوي إسناديَّة أو متنيَّة متوهَّمة مختلفة.

فكان ممّا يتغيَّاه هذا البحث:

الكشف عن غرض جمهور الطَّاعنين في أحاديث صحيح البخاري من استنادهم إلى هذه المغالطة، وتقدِمَةِ كتبهم بها، وبيان طبيعة تعليلاتِ العلماءِ المُتقدِّمين لأحاديث الصَّحيح، مع ضرب أمثلة على ذلك، إظهاراً لمَآخِذِ المُحدِّثين في مُمَارساتهم النَّقدية لما تضمَّنه هذا الكتاب، وقطعاً لعلائِق المُتأوِّلين المتعلَِقين بأذيالِهم من المُعاصرين في ذلك، مع التَّدليل على التَّفاوت الشَّاسع بين منهجِ المُتقدِّمين وهؤلاء المُعاصرين هي تعليل أحاديث البخاِريِّ، ثمَّ إِرساء المعايير المُصحِّحة لأيِّ نقدٍ مُعاصِرٍ لأحاديث هذا السِّفر الجليل.